كان يريد أن يرى النظام في الفوضى
|
و أن يرى الجمال في النظام
|
و كان نادرَ الكلام
|
كأنه يبصر بين كل لفظتين
|
أكذوبة ميّتة يخاف أن يبعثها كلامُهُ
|
ناشرة الفودين, مرخاة الزمام
|
و كان في المسا يطيل صحبةَ النجوم
|
ليبصر الخيط الذي يلمُّها
|
مختبئا خلف الغيوم
|
ثم ينادي اللهَ قبل أن ينام
|
الله, هب لي المقلة التي ترى
|
خلف تشَتُّتِ الشكول و الصور
|
تغيُّر الألوان و الظلال
|
خلف اشتباه الوهم و المجاز و الخيال
|
و خلف ما تسدله الشمس على الدنيا
|
و ما ينسجه القمر
|
حقائقَ الأشياء و الأحوال
|
و تسألونني: أكان صاحبي؟
|
هل صحبة تقوم بين سيدٍ عظيم
|
و خادمٍ محتال؟
|
مرثية صديق كان يضحك كثيرا
|
كان صديقي
|
حين يجىء الليل
|
حتى لا يتعطَّن كالخبز المبتل
|
يتحول خمرا
|
تتلامس ضحكته الأسيانة في ضخكته الفرحانة
|
طينا لمَّاعاً أسود
|
أو بلورا
|
و يخشخش في صوت الضحكات المرسَل
|
صوت كتكسُّر قشر الجوز المثقل
|
كنا نتلاقى
|
أو بالأحرى نتوحد, كل مساء
|
في قاع الحانة
|
كالأكواخ المتقاربة المنهارة
|
و الريح من الشباك المترب للشباك المترب
|
تتسكّع بين فراغات الأشياء
|
يتنحَّى كلٌّ منا عن موضعه للجار الأقرب
|
لا عن أدب و حياء
|
بل خوفا أن تختل الدورة
|
إذ نتصادم أو نتلاقى
|
كلمات, أو أذرعة, أو آلاما, أو أهواء
|
حذرا أن نهتز و نتفتَّح
|
يتقارب كلٌّ منا في داخله كالأجَمِ الفارغ
|
فإذا مال تنحنح
|
كان صديقي في ساعات الليل الأولى
|
يتجول في بلدتهِ
|
كانت بلدتُه ساعات الليل الأولى
|
و يجمِّع من مهجته المنثورة
|
أو من بهجته المكسورة
|
ما ذاب نهارا في أسفلت الطرقات
|
يترشَّفُه قطرات...قطرات
|
حتى يمتلىء كما تمتلىء القارورة
|
يتعمَّمُ بالختم الطينيِّ اللمَّاع على عينيه الطيبتين
|
ينقش فوق نداوته المحبورة
|
صورةَ كون فياض بالضحكات
|
يتدحرج نحو الحانة
|
يتعثَّر في أيدينا مختارا
|
يهوي مسفوحا
|
يتأرَّج عطرا, ريحا, روحا
|
يجعلنا أحيانا نضحك كالخمر الصفراء
|
إذ ندرك أان الأشياء المبذولة, مبذولة
|
و الأشياء العادية, عادية
|
و الأشياء الملساء, مجرد أشياء ملساء
|
يجعلنا أحيانا نضحك, إذ يضحك كالخمر السوداء
|
إذ يبصر في ورق الشجر المتهاوي
|
موتَ البذرة
|
أو يتحسَّسُ بلسان الحكمة, و اللامعنى
|
حين يمصُّ ثنايا امرأة في قُبلتها الأولى
|
جدرانَ الجمجمة النخِرة
|
كنا, و صديقي, في آخر ساعات الليل
|
نتحول عاصفة مخمورة
|
تتخدد فوق ملامحنا
|
تجعلنا نهتزُّ و نتفتَّح
|
تجعلنا نتكسَّر
|
حتى نبدو كتلا متشابهة, متكررة, متآلفةً
|
من إنسان فرد متكثِّر
|
مات صديقي أمس
|
إذ جاء إلى الحانة, لم يُبصر منا أحدا
|
أقعى في مقعدهِ مختوما بالبهجة
|
حتى انتصف الليل
|
لم يُبصر منا أحدا
|
سالت من ساقيهِ البهجة
|
و ارتفعت حكمته حتى مسَّت قلبَه
|
فتسمَّم بالحكمة
|
غاب الندماء, فلم يقدر أن يتحول خمرا
|
و تفتَّت مثل رغيف الخبز . |